جديد الأخبار

علوم وتقنية

إن كانت البراهين العلمية صحيحة، لماذا يصرّ الناس على إنكار التغير المناخي الذي تسبب به الإنسان؟

عدن لنج - مرصد المستقبل
 
لا يزال الموقف العام من التغير المناخي ملتبساً، وعلى الرغم من أن أغلبية الناس يقرّون بوجوده، إلا أن البعض ما زالوا ينكرون ذلك. لماذا يعتبر التغير المناخي أمراً صعب التصديق؟ هناك عدة أسباب، ولكن أحدها بالتحديد هو الأكثر أهمية.

موضوع مزعج وحقيقي

منذُ أن أطلق آل جور فيلمه الوثائقي المثير للجدل عام 2006، انطلقت حملات التوعية العامة حول التغير المناخي بكامل قوتها. وعلى الرغم من استمرار الجدل في القطاع العام، فإن معظم المنظمات والأوساط العلمية قد أجمعت على أن الأرض تتعرض لتغير مناخي فعلاً.

درجات الحرارة في ارتفاع مستمر، وأنماط الطقس تزداد عشوائية، والأهم من هذا هو أن العلم يُظهر أن كل ذلك بسبب البشر.

 ارتفاع درجات الحرارة. مصادر البيانات: معهد جودارد للدراسات الفضائية التابع لناسا، المركز الوطني للبيانات المناخية التابع للإدارة الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي، مركز هادلي ووحدة الأبحاث المناخية في مكتب الأرصاد الجوية البريطاني، ووكالة الأرصاد الجوية اليابانيةارتفاع درجات الحرارة. مصادر البيانات: معهد جودارد للدراسات الفضائية التابع لناسا،
المركز الوطني للبيانات المناخية التابع للإدارة الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي،
مركز هادلي ووحدة الأبحاث المناخية في مكتب الأرصاد الجوية البريطاني، ووكالة الأرصاد الجوية اليابانية

على الرغم من كل ذلك، ما زال البعض يعتقد أن التغيير المناخي الذي سببه الإنسان لا يزال موضوع جدل في الأوساط العلمية. وعلى الرغم من أن الأكاديميين ما زالوا يبحثون في آليات هذه الظاهرة بطرق مختلفة، إلا أنه لا يوجد نقاش فعلي حول حقيقة هذا التغير المناخي.

أظهرت دراسة أجراها باحثون في جامعة يال، العام الماضي، أن الكثير من الأمريكيين يتقبلون حقيقة وجود التغير المناخي (حوالي 83%)، غير أن 48% فقط يتقبلون حقيقة أن هذا التغير بسبب الإنسان.

من المؤسف أن الكثيرين يصفون هذا الأمر بأنه عملية احتيال واضحة (حتى الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي يعتقد ذلك على ما يبدو). إذاً من أين أتى هذا الانقسام؟

حقائق مربكة

بداية، هناك طبعاً موضوع السياسة ومجموعات الضغط وهي الجماعات التي تستخدم أشكالاً متنوعة من التأييد للتأثير على الرأي العام. كمثال على هذا، وجدت دراسة من جامعة دريكسل أن هناك الكثير من الأشخاص والمنظمات ممن استثمروا في موضوع إنكار التغير المناخي، بمجموع يقارب 560 مليون دولار.

يقول مؤلف الدراسة في تصريح له: "ساهمت الحركة المضادة للاعتراف بالتغير المناخي بشكل حقيقي في فشل العالم في مواجهة الاحتباس الحراري، سياسياً وبيئياً. وكما في مسرحية في برودواي، لهذه الحركة نجومها تحت الأضواء، وهم غالباً علماء ذوو رأي مخالف، أو سياسيون محافظون، ولكن خلف هؤلاء النجوم، تقف هيكلية تنظيمية من المخرجين، وكتاب النصوص والمنتجين. إن أردت أن تعرف ما يدفع هذه الحركة، عليك أن ترى ما يحدث خلف الكواليس".

باختصار، هناك قضية حقيقية تتعلق بمنظمات تربح الكثير من الترويج لـ "أفكار السوق عالية التحرر"، وهي تتمحور حول تدخل المؤسسات اللاحكومية فيما يتعلق بانبعاثات الكربون التي تتسبب بها الشركات الكبرى.

سجلات ثاني أوكسيد الكربون. حقوق الصورة: بيانات فوستوك للعينات الجليدية/ ج. ر. بيتيت وآخرون، سجل ثاني أوكسيد الكربون في مونا لوا التابع للإدارة الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي. سجلات ثاني أوكسيد الكربون. حقوق الصورة: بيانات فوستوك للعينات الجليدية/ ج. ر. بيتيت وآخرون،
سجل ثاني أوكسيد الكربون في مونا لوا التابع للإدارة الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي.

ولكن، يوجد هناك أسباب أكثر إثارة للاهتمام.

يعتقد فيل بلايت أن السبب الرئيسي يعود لاتساع وضخامة الموضوع بحد ذاته. ويقول: "نحن نرى ما يحيط بنا بشكل مباشر، ولكننا نواجه صعوبة في توسيع مداركنا باتجاه العالم الأكبر". يؤثر التغيير المناخي على العالم بأسره، بوسائل تتجاوز مجرد ارتفاع درجة الحرارة اليومية الطبيعية. ولذلك يبدو من غير المعقول أن يكون كل هذا بسبب البشر. كيف يمكن لهذا أن يحصل؟

إن مقياس المسألة أكبر من أن نستوعبه بسهولة، وبالنسبة للكثيرين، لا تكفي الأرقام والإحصائيات لفهم الموضوع.

إضافة إلى ذلك، فإن الطريقة المربكة التي تعتمدها وسائل الإعلام لإيصال الحقائق إلى الناس لا تزيد الوضع إلا سوءاً، وكذلك المقاربة الإعلامية التي تعتمد على المتاجرة بالخوف من نهاية العالم.

أجل، هناك مشكلة حقيقية، وهي بحاجة للحل، ولكن نيويورك لن تُغمر بالمياه خلال خمس سنوات. لا تنفع الادعاءات المبالغ بها كهذه، سوى في دفع المنكرين نحو المزيد من الإنكار، وذوي التأييد الضعيف إلى الموقف المعاكس تماماً.

يقود سوء الفهم هذا إلى المزيد من الارتباك، خصوصاً عندما نرى سياسيين في مبنى الكابيتول يتقاذفون كرات الثلج كبرهان على أن التغير المناخي ليس سوى عملية احتيال.

تتفق ماريا جلوتشي مع هذا الطرح. إن المدى الواسع - مكانياً وزمنياً - لقضية التغير المناخي يجعل منها موضوعاً صعب التصديق بالنسبة للبعض. بالطبع، يستطيع الناس ملاحظة آثار التغير المناخي، ولكنهم بحاجة إلى رؤية أشياء مباشرة أكثر للتعبير عن هذه الآثار.

باختصار، علينا أن نحول الموضوع إلى قضية محلية، ونضعه ضمن سياق محدد، بحيث يرى الناس أشياء ملموسة تحدث أثراً فورياً وواضحاً، بدلاً من إطلاق مزاعم كبيرة تبدو صعبة التوضيح ومستحيلة التحقق.

في المحصلة، نحن نؤثر على البيئة. وعلى الرغم من أن هذه التأثيرات تبدو صغيرة مقارنة بأنظمة الطبيعة، إلا أنها ثابتة ومستمرة، ولن تتوقف أبداً، كما يقول بلايت.

يمكننا أن نغير هذا الوضع، ويجب أن نغيره، ونقطة البدء هي الحوارات الصغيرة، والانخراط في النشاط المجتمعي.

 

 

مواضيع مشابهه