جديد الأخبار

علوم وتقنية

فهم فيزياء الكون: ما هو الميكانيك الكمومي؟

عدن لنج - مرصد المستقبل
 
بعد قرن تقريباً من ولادة مجال الفيزياء الكمومية، ما زلنا في حيرة من أمرنا. حيث تبقى الظواهر الكمومية غير متوقعة ولا يمكن استيعابها. وفي حين تبدو المعركة صعبة بلا شك، فإن فرصنا في النجاح كبيرة.

علم صدفةً

في عام 1900، أطلق العالم الفيزيائي النظري ماكس بلانك- وبالصدفة - الشرارة الأولى للميكانيك الكمومي (أو الفيزياء الكمومية)، وذلك عندما حاولأن يعرف لماذا كانت نتائج تجربة الجسمالأسود التي أجراها، غير متفقة مع قوانين الفيزياء الكلاسيكية. واكتشف حينها أن الطاقة يتم إطلاقها على شكل حزم صغيرة (تسمى بالكمات)، ويبدو أنه يتم إصدارها بأطوال موجية.

منذ ذلك الحين، استند آينشتاين وفيزيائيون آخرون على هذه الدراسة، مما دفع بالفيزياء الكمومية إلى الأمام، وهو مجال علمي يدرس سلوك المادة والطاقة على أصغر المستويات الذرية وتحت الذرية. في نهاية المطاف، حاز بلانك على جائزة نوبل عن عمله هذا.

من ناحية أخرى، فقد تحول عالم الفيزياء منذ ذلك الحين إلى ملعب يضج بالأمور غير المؤكدة. وبفضل هذا العمل، بدأنا نرى الوجه الفوضوي للكون، حيث الجسيمات تظهر وتختفي من الوجود بشكل مفاجئ، وحيث كل شيء في حالة تقلب مستمر.

من اليسار إلى اليمين: والثر نيرنست، ألبرت أينشتاين، ماكس بلانك، روبرت ميليكان، ماكس فون لاو. 11 نوفمبر، 1931 من اليسار إلى اليمين: والثر نيرنست، ألبرت أينشتاين، ماكس بلانك، روبرت ميليكان، ماكس فون لاو. 11 نوفمبر، 1931

حتى نفهم الفيزياء الكمومية، علينا أن نتخلى عن المنطق. لماذا؟ على عكس الفيزياء الكلاسيكية، فإن الفيزياء الكمومية لا تحترم المنطق الذي يسري على ما نراه حولنا يومياً. وتتبع الجسيمات الكمومية مجموعة مختلفة من القوانين، وهي قوانين لم نفهمها بشكل كامل، حتى يومنا هذا.

ما زال الفيزيائيون من كل أنحاء العالم - ومنذ فترة تقارب القرن - يحاولون فهم الظواهر الكمومية. ولكن حتى الآن، فشلت جميع المحاولات لتوحيد الميكانيك الكمومي مع قوانين الفيزياء الشائعة التي تحكم حياتنا اليومية. وحصلنا بالنتيجة على احتمالات متعددة، بدلاً من أمور مثبتة.

فيزياء سيئة الطباع

بداية، يبدو التعريف المعتمد بسيطاً بما يكفي: الميكانيك الكمومي هو "الفرع من الميكانيك الذي يدرس التوصيف الرياضي لحركة الجسيمات تحت الذرية وتفاعلاتها فيما بينها". أحد المشاكل التي تظهر هنا هي أن قياس المواضع الذرية بدقة مهمة معقدة، بل إنها مستحيلة التحقيق عملياً. وكما يقول مبدأ الارتياب، فإن قياس المواضع الكمومية، حتى باستخدام شيء بخفة الضوء، سيتسبب بتغيير أماكنالذرات، لأن كل شيء (حتى الضوء) له اندفاع، ما يجعل أي قياس غير دقيق. كيف يمكننا أن نمضي قدماً إن كنا عاجزين عن أخذ قياسات دقيقة؟

مع الأسف، فهذه ليست سوى بداية المشكلة.

على ما يبدو، فإن الجسيمات الكمومية تفعل ما تشاء، ومتى تشاء، ما يجعل من المستحيل عملياً تكرار نتائج أية تجربة، وهو شرط أساسي للتحقق بشكل علمي من صحتها.

في الواقع، فإن آينشتاين كان يكرهالفيزياء الكمومية ، على الرغم من أنه ساهم شخصياً في نشأتها. هذه الفيزياء لا يمكن توقعها، وهي في أغلب الأحيان منافية للمنطق، أو على الأقل منافية للحس السليم. من الأمثلة على هذا:ثنائية الموجة -الجسيم، والتي تُظهر أن الضوء يتمتع بمزايا الجسيمات والأمواج، في الوقت نفسه.

تعتبر تجربة الشقين من التجارب الأساسية في الفيزياء الكمومية، ولكنها أيضاً منأصعب الألغاز على الإطلاق. في هذه التجربة، يمكن أن نلاحظ أن الذرات تسلك سلوك الجسيم والموجة، اعتماداً على وجود التداخل، ويبدو أنها ذات مزاج خاص بها، حيث تتوزع على شكل نمط تداخلي.

يقول الفيزيائي النظري البريطاني جيم الخليلي: "إذا تمكنت من تفسير هذا باستخدام الحس السليم والمنطق، فأخبرني بذلك، فهناك جائزة نوبل بانتظارك."

إن أردت أن تجرب حظك في الحصول على جائزة نوبل، إليك هذا الفيديو للخليلي وهو يشرح المسألة التي يجب عليك حلها:

ومن ثم، تصبح الأمور أكثر غرابة بكثير.

فراغ الكون: وهو مفهوم كان أوائل رواد الميكانيك الكمومي يعتقدون بصحته، كما أنه من الأشياء التي ما زال عامة الناس يعتقدون بصحتها حتى اليوم. ولكن هذا التصور عن الكون، وفقاً للفيزياء الكمومية، خاطئ.

في عشرينيات القرن الماضي، اعتقد الباحثون أن الفراغ - أي غياب وجود الأشياء - هو ما كان الميكانيك الكمومي يتحدث عنه. يعالج آرثر إدينجتون هذا الموضوع بشكل جميل في عمله "الطاولتان". في هذا المؤلف، يقول إدينجتون إنه توجد طاولتان: الأولى، طاولة الخبرة الحياتية اليومية، وهي طاولة يمكننا أن نراها ونتفاعل معها، ودائمة بشكل نسبي، وملونة، وفوق كل هذا، فهي طاولة مادية حقيقية. الطاولة الثانية هي طاولة العلم، وهي شيء خارج حدود الحس والإدراك، وهي في معظمها فراغ مع العديد من الشحنات الكهربائية المتناثرة بشكل خفيف، تندفع في جميع الاتجاهات بسرعات كبيرة.

ولكن هذا التشبيه خاطئ، طبعاً.

الذرة عبارة عن خليط عشوائي من الإلكترونات، والبوزيترونات، والكواركات، والفوتونات، والجلوونات، وغيرها. وهذه الجسيمات تتحرك وتظهر فجأة ويلغي بعضها البعض الآخر، وهي تختفي بشكل متوازن لدرجة أن تصور "الفراغ"- والذي قدمه لنا ميكانيك الكم في عشرينيات القرن الماضي- يصف هذا الوضع بشكل ممتاز. كما قلنا سابقاً، فإن هذا الفراغ ليس توصيفاً دقيقاً لما يجري فعلياً، والفروق التي يمكننا أن نختبرها، تؤول إلى نظرية الحقل الكمومي.

ما لم يدركه الناس في عشرينيات القرن الماضي، هو أن "الفراغ" ليس ما كنا نعتقده. بل إنه خليط من الكثير من الأشياء، التي تنعدم محصلتها النهائية. كما في حالة التوازن في الديناميكا الحرارية (الترموديناميك)، أي أن "عدم وجود محصلة للتدفق" يختلف كثيراً عن "عدم وجود تدفق".

 

ما قيمتها؟

يمكن أن تظهر نتائج ضخمة بالسيطرة على مجال الميكانيك الكوانتي، الذي يبدو عصياً على السيطرة، أي التوصل إلى نظرية لكل شيء. إن فهم الظواهر الكمومية هو مفتاح لعالم واسع منالإمكانات فيما يتعلق بقدرتنا على تغيير العالم من حولنا.

فيما يلي بعض الأشياء المهمة التي تعتمد على مقدار فهمنا للظواهر الكمومية حتى تتطور:

الحواسيب الكمومية

تعتمد الحواسيب الكمومية على حالة التراكب superposition لتأدية مهام أعقد بكثير، ضمن عدد خطوات أقل، بالمقارنة مع الحواسيب العادية. من الناحية النظرية، يمكن للحواسيب الكمومية أن تقوم بتنفيذ عدد من العمليات يتجاوز عدد الذرات في الكون.

النواقل الفائقة

تقوم هذه المواد بنقل الكهرباء بدون أي فقد في الطاقة، ولكنها حالياً تعمل فقط في درجات الحرارة منخفضةٍ جداً، ويحاول الفيزيائيون حالياً التوصل لطريقة لجعل النواقل الفائقة تعمل في درجة حرارة الغرفة.

 

المادة المظلمة/ الطاقة المظلمة

لا تزال ماهية هذه الجسيمات/ الطاقة- والتي تشكل ما يقارب 98% من كوننا- مجهولة حتى الآن. وقد استبعدنا من الاحتمالات الممكنة لتكوينها وطبيعتها أكثر مما توصلنا إليه حولها، ولا يمكننا أن نكشف وجودها إلا من خلال قوة الجاذبية الناتجة عنها.

الثقوب السوداء

من سخرية القدر أن الغموض لا يقتصر على أصغر الجسيمات التي عرفها الإنسان، بل إنه يمتد أيضاً إلى أضخم، وأقوىالظواهر في الكون.

وللإجابة على السؤال "أين نحن الآن في مجال الفيزياء الكمومية؟"، يمكننا القول: إننا بدون شك قد قطعنا شوطاً كبيراً في فهم الظواهر الكمومية والاستفادة منها، غير أننا في الواقع، ما زلنا نتخبط في الظلام.

إن كنت تعتقد أنك تمتلك ما يكفي من القدرة العقلية والمثابرة للانضمام إلى مجال الفيزياء الكمومية، فإن البشرية ستشكرك على هذا. وأيضاً، جائزة نوبل ستكون بانتظارك.

 
 

مواضيع مشابهه