جديد الأخبار

علوم وتقنية

لمحة عن مستقبلنا في الفضاء

عدن لنج - مرصد المستقبل
 

إن التطورات التي تحققت في مجال التكنولوجيا والقطاع الخاص ضمن عالم الفضاء، جعلت الكون حقيقة في متناول أيدينا بطريقة واقعية للغاية. خلال العامين الماضيين فقط، تمكنت البشرية من تطوير صواريخ قابلة للاستخدام أكثر من مرة، والقيام برحلات مغامرة إلى إحدى أكثر العوالم بعداً عن نظامنا الشمسي. والثورة في هذا المجال ماتزال في بدايتها.

هل هذا هو المستقبل؟

بشكل أو بآخر، تقف البشرية اليوم أمام مفترق طرق، ويعتبر استكشاف الفضاء، أحد أكثر المجالات التي تتجلى فيه هذه الحقيقة بشكل واضح. في السنوات الأخيرة، تمكنا من الهبوط على أحدالمذنبات، والسفر إلى عوالم تقع في أقاصينظامنا الشمسي، وقفزنا إلى عصر الرحلاتالفضائية التجارية والصواريخ التي يمكن إعادةاستخدامها.

لتحقيق هذه الغاية، هنالك أمر واحد واضح: سيتقرر المستقبل طويل الأمد للجنس البشري في الفضاء في السنوات القادمة، لذلك يبدو منطقياً أن نبدأ بالحديث عن ذلك منذ الآن.

مؤخراً، قامت مؤسسة "سبيس فرونتييرفاونديشن" Space Frontier Foundation، والتي تتمثل مهمتها بمساعدتنا على الإفلات من قبضة الجاذبية المفرطة، عبر تشجيع صناعة الفضاء في القطاع الخاص، بإحضار ممثلين عن عدد من أكبر اللاعبين في هذا القطاع نذكر منهم؛ بلانيتاري ريسورسز، فولكان آيروسبيس، بلو أوريجن، وبيغيلو آيروسبيس، إلى مؤتمر "نيوسبيس" السنوي الحادي عشر، وهو حدث يهدف إلى تقييم الحالة الراهنة والآفاق المستقبلية للمسعى الذي لا يحظ منا سوى عدد قليل على المشاركة فيه: الفتح الصامت حتى الحدود النهائية.

إن كلاً من هانا كيرنر وجيف ماثيوس، وهما على الترتيب، المدير التنفيذي ومدير قسم استراتيجية المشاريع الجديدة والأبحاث في مؤسسة "سبيس فرونتييه فوانديشن"، يمتلك أفكاراً كبيرة (وحتى خططاً أكبر) بالنسبة للحضور البشري التجاري في الفضاء، وقد أدى الحديث معهما إلى تسليط الكثير من الضوء على الوجهة التي نسير نحوها.

حلّال المشاكل ورجل المال

مؤتمر "نيوسبيس"، لأولئك الذين لا يعلمون منكم، يمثل ذلك التغيير الكلي المذهل الذي طال انتظاره، والذي هزّ مؤخراً قطاع التكنولوجيا. إنه يمثل الجهود الرائدة التي تبذلها شركات القطاع الخاص لتحقيق هدف الوصول إلى الفضاء بتكاليف منخفضة. لقد رأينا كلنا اللقطات المذهلة للصواريخمتكررة الاستخدام وهي تهبط على سطح البحر، أو الحجرات المستقلة القابلة للنفخ التي رست ضمن المحطة الفضائية الدولية؛ ولكن، إن تضّمن حديثي مع هانا وجيف أي من الإشارات، فإن الجزء الأفضل بالتأكيد لم يأت بعد.

في البداية، نتحدث قليلاً عن هانا كيرنر وجيف ماثيوس. إن شغفهما للفضاء وحماسهما للأعمال الجيدة الخاصة بمؤسسة "سبيس فرونتييه فاونديشن"، هو حقيقي وواضح. فالمعرفة التي يمتلكانها عن كل شيء يتعلق بـ "نيوسبيس"، من التوقعات إلى المشاكل التي تواجهه، إلى جانب الفرص التي تنتظره عميقة، ومن الواضح أنها نتاج لإلمامهما بهذا الموضوع.

لذلك، فمن الحكمة أن تصغي بتمعن إلى ما لديهما من أفكار، حول آفاق ومستقبل الرحلات الفضائية البشرية، وهو يشبه إلى حد ما التنصت إلى حديث للعرافين الأكثر تبصراً في هذا القطاع.

كمدير تنفيذي لمؤسسة "سبيس فرونتييه فاونديشن"، ومع خلفية علمية في مجال الهندسة وعلم الحاسوب، تحاول هانا أن تقارب مسألة التطوير البشري للفضاء من وجهة نظر علمية. باعتبارها شخصاً يسعى إلى حل المشاكل، فإنها ترى الفضاء يتيح فرصاً لا حصر لها لتحقيق ذلك.

والأكثر من ذلك أنها رفضت الاختيار الذي يبدو خاطئاً بين الفضاء من جهة، وشغفها الكبير الآخر من جهة أخرى – القضايا الإنسانية. بالنسبة لها، فقد شكلت جهود المجموعات التي استخدمت الصور الفضائية لتحديد مواقع المقابر الجماعية، وإعداد الفهارس المصورة للإبادات الجماعية، مصدر إلهام لها، جعلها تدرك أنه ليس هناك تعارض بين دوافع تطوير الفضاء، ودوافع تعزيز حقوق الإنسان.

ومنذ ذلك الحين، بقيت ملتزمة بفكرة كون الفضاء وسيلة قوية لتصحيح الأخطاء، ومساعدة المظلومين، وكأداة لإعطاء جميع البشر صوتاً شرعياً في شؤون كوكبنا.

من ناحية أخرى، يعمل جيف على مقاربة المسألة من اتجاه مختلف للغاية. فالفضاء، يمكنك أن تقول، يمثل الحمض النووي DNA بالنسبة له. وقد سبق لجده أن شارك في مشروع "ميركوري"، خلال ذروة عمل وكالة "ناسا" في ستينيات القرن الماضي، حيث اعتاد في نشأته (أي جيف) الاستماع إلى قصص كثيرة عن ذلك الزمن الجميل. لقد كان جزءاً من الهواء الذي يتنفسه، إذا جاز التعبير، وقد أراد أن يكون جزءاً من ذلك بأي شكل من الأشكال.

لذلك، فقد اتخذ الخيار الواضح لأي عاشق للفضاء: لقد أصبح مديراً مالياً.

لقد كان قراراً أوصله، كما أوصل القطاع الخاص في صناعة الفضاء في هذه المسألة، إلى مكانة جيدة في مؤسسة "سبيس فرونتييه فاونديشن". كمدير لقسم استراتيجة المشاريع الجديدة والأبحاث، توجه نحو طرح مبادرة جديدة باسم "مختبرات مشاريع نيو سبيس"، وهي مبادرة محفزة افتراضية تهدف إلى تشجيع الابتكار في قطاع الأعمال الخاص بنيو سبيس.

ويوضح جيف في هذا الصدد؛ "إن هدفنا، هو دعم المتحمسين لمشروع "نيو سبيس"، والمستثمرين ورواد الأعمال، لتحويل الأفكار الإبداعية إلى مشاريع جاهزة للإطلاق". قم بزيارة مؤتمر نيو سبيس 2016.

الانتقال من هنا إلى هناك

جرت العادة أن تقام مؤتمرات "نيو سبيس" في "وادي السيليكون"، وهو خيار طبيعي جداً لاستدراج الموارد المالية، والابتكارات التكنولوجية، والأفكار الإبداعية القيمة اللازمة لمواجهة التحديات التي يطرحها مجال الفضاء وإيجاد حلول لها. أما الآن، وللمرة الأولى، فقد انتقل المؤتمر إلى خارج حدود ولاية "غولدن ستيت"، وهو ما يعكس النمو غير المسبوق الذي يمر به مشروع "نيو سبيس".

ويعتبر أمراً منطقياً أن تكون "سياتل" الأولى بين هذه التجمعات الخاصة بتكنولوجيا الفضاء الجوي. لقد قامت هذه المدينة بالفعل بالاستحواذ، من خلال شركتي "بوينغ" و"مايكروسوفت"، على المعرفة اللازمة ورأس المال الفكري، لدعم نشاطات الفضاء في القطاع الخاص. حتى أن هنالك استدراج غير مرخص، كما أخبرني جيف، لموظفي "نينتيدو".

إلا أن أكبر مساهمة رائدة لسياتل في الصناعة، هي موقعها كمنطقة مركزية بالنسبة لشركات السوق المتوسطة الحجم، التي توفر خدمات الدعم ومختلف التكنولوجيات – من الاتصالات، إلى تطوير البرمجيات، إلى تصنيع مكونات المركبات الفضائية، إلى تحليل البيانات، وغيرها الكثير. هذه الاختصاصات هي المجالات الداعمة الحقيقية للرحلات الفضائية الخاصة، والتي تسمح للشركات بالتركيز على اختصاصاتها الأساسية دون الحاجة إلى تطوير بنية تحتية داعمة غير متينة من الصفر.

توضح هانا في هذا الصدد؛ "أن تكون شركة في مجال الفضاء، لا يعني أنك بحاجة لامتلاك تجهيزات إلكترونية في الفضاء. هنالك الكثير لكي تعمل عليه".

هنا يظهر دور "نيو سبيس 2016" ضمن الصورة الكلية. فهو أحد المؤتمرات الفريدة التي تجمع الكثير من مكونات معادلة "نيو سبيس" في غرفة واحدة – رواد أعمال الفضاء، مطورو التكنولوجيا، المتحمسون لهذا المجال، والمستثمرون.

إن هذا المؤتمر، كوسيط فضولي ولكنه يمتلك حسن النية، يقوم بالمزاوجة بين رأس المال والشركات الناشئة الأكثر حاجة له، ويخلق الفرص أمام تكوين شراكات مثمرة – بعبارة أخرى (واعذروني للاستعارات المختلطة)؛ إنه يقدم اليد اليمنى لصناعة الفضاء التجارية إلى يدها اليسرى، ويضمن بقاءهما ثابتتين على الصفحة نفسها.

عندما سألتُ هانا وجيف حول أفكارهما عن مستقبل الصناعة الفضائية، فوجئت قليلاً من إجاباتهما. فلم يتحدثا عن سفن فضائية مبتكرة، أو عن استصلاح الأراضي على الكواكب وجعلها قابلة للحياة، أو عن رحلات ملحمية من خلال مسارات زمانية ومكانية تختصر المسافات لاكتشاف الثقوب السوداء البعيدة.

كانا مهتمين بدل ذلك بإعداد البنية التحتية ودعم الصناعات بشكل يحقق حلمهما في نقل البشر عبر الفضاء.

كان الصراع في الماضي محتدماً من أجل صناعات فضائية تجارية في الفضاء، ولكن النجاح الذي حققته شركة "سبيس إكس" الأمريكية وغيرها، أدت إلى الاعتقاد بأن التحدي السابق قد أصبح مستهلكاً ولم يعد كما كان عليه سابقاً.

تقول هانا؛ "إنها مشكلة غير محلولة، ولكن التعامل معها ممكن"

 

 

وهذا يعني البحث عن مشاكل جديدة والتعامل معها. ويأتي في مقدمة هذه المشاكل إعداد البنية التحتية اللازمة في المدار الأرضي المنخفض ليو LEO، لتمهيد الطريق أمام الوصول إلى الأشياء المثيرة المتواجدة في الفضاء السحيق. حتى الآن تشكل هذه المشكلة تحدياً كبيراً، حيث تمتلك وكالة ناسا كل الحقوق المائية (حقوق الملاحة) في المدار المنخفض للأرض، وليس من المرجح أن تتخلى عن هذه الحقوق في وقت قريب دون مقاومة شرسة.

ولكن عندما تكتشف الصناعات الخاصة كيفية بناء بنية تحتية مستدامة واقتصادية في مدار الأرض، سيكون لابد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لأن المشاكل ستكون قادمة لا محالة فالاحتمالات لا حصر لها وليست السماء هي الحد الأخير.

يقول جيف في هذا الصدد؛ "ليس من الصعب بعد الآن تأسيس شركة فضائية، ولكن لايزال هنالك الكثير من الأمور التي يجب القيام بها قبل ذلك، وأعتقد أننا إذا استطعنا البدء بوضع البنية التحتية  اللازمة في الفضاء، فإننا سنكون قد بدأنا بفتح أفق أوسع مليء بالفرص الطموحة والمثيرة والكثير من الفرص التجارية الواعدة، الناس يقرأون الكثير في الصحافة، وقد بدأت الشركات، كشركة "بلانيتاري ريسورزس" وغيرها من الشركات، تجعل الكواكب صالحة للاستثمار الاقتصادي، وبشكل خاص استغلال المواد الخام الموجودة في أرض هذه الكواكب من معادن ومواد أخرى.

يتصور جيف وهانا إمكانية تطوير نموذج للاتصالات (Hub-and-Spoke)، الذي تستخدمه شركات الطيران عادة، والذي يسهل عملية السفر الى الفضاء. بالفعل بدأنا نرى الخطوات التجريبية الأولى نحو بناء قاعدة دعم فضائي ونظام قابل للاستثمار في مدار الأرض، حيث تتطلع شركة "ميد إن سبيس" لإنشاء مصانع تنتج طابعات ثلاثية الأبعاد بالتعاون مع شركة "زيرو غرافيتي"، كما أن شركة "بيغيلو آيروسبيس" لصناعات الفضاء، نجحت في اختبار مكوناتها المستقلة القابلة للانتفاخ، والخاصة بالمحطة الفضائية.

إذا نجحوا فعلاً في ذلك، فإن هذا يعني ثورة حقيقية في مجال استكشاف الفضاء، فقط انضم إلى الفضاء وستحصل على كل ما تحتاجه هناك لينقلك إلى أي مكان تريده.

إلا أن أكبر الفرص على المدى القريب أمام الشركات الناشئة في مجال الفضاء، لا تبدو كما هو متوقع. هنالك حاجة هائلة حالياً للحصول على معلومات عن الفضاء، لم تلبّ بعد، ومعالجة التدفق الهائل من البيانات القادمة من الأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار التي تطوف حول الأرض.

تقول هانا في هذا الصدد؛ "أعتقد أن على العالم أن يفعل شيئاً تجاه هذه البيانات"، وتضيف؛ "هنالك الكثير من البيانات، ولكن في المقابل، القليل من الشركات التي تعمل على أدوات لاستخلاص معلومات مفيدة من هذه البيانات أو بناء تصور يظهر كيفية استفادة الناس من هذه البيانات".

لقد سمحت شركات مثل شركة "أطلس سبيس اوبيريشنز" التي يقع على عاتقها عبء الاتصالات الفضائية، بالقيام بعمليات أخرى للتركيز على الابتكارات التكنولوجية الخاصة بها، وهذا ما أتاح الفرصة للمراكز التكنولوجية لتلعب دوراً هاماً، كالمراكز المتواجدة في مدينة سياتل. مع مجموعة ضخمة ومتنوعة من المواهب في هذه المراكز، أصبح ممكناً توفير المعرفة اللازمة لسد كل الفجوات التي تعاني منها مجالات البنية التحتية الخاصة بصناعة الفضاء بشكل فعلي.

إلى أين يقودنا كل ذلك

ولكن ماذا عن "الصورة الكبيرة" بل وربما أكبر صورة بين جميع الصور؟ ما هو الهدف من كل ذلك، وما هو مصير الجنس البشري في نهاية المطاف في الفضاء؟

بالنسبة إلى هانا، إن غزو الفضاء - بصرف النظر عن أنه دفاع عن النفس - هو عبارة عن تخليص أنفسنا من الحروب والتدمير المسرف للحياة البشرية. لا يتعلق الأمر فقط بإنشاء "أطلانطس جديدة" سابحة بين الكواكب، والتي تزول فيها جميع أنواع الصراعات، بل يتعلق بتوجيه تلك الغرائز والصراعات إلى مجالات أكثر صحة، ووضعها في العمل من أجل تحسين الأنواع.

وتقول هانا في هذا الصدد؛ "أرى في الاستكشاف مسعى يوحد بين البشر، ويخطو بنا للخروج من التفكير في الأشياء الصغيرة نسبياً".

وتضيف؛ "نحن نعيش في هذا الكون الهائل المتسع، وإنه لأمر عجيب أننا قادرون على استيعاب هذه المفاهيم كبشر ضعفاء، وأعتقد أنه من خلال استكشاف الفضاء معاً كدول متعددة، فإننا نمهد لفكرة كسر الصراع بين الدول، وإطلاق العنان للقدرات البشرية".

 

 

من جهته، يرى جيف مستقبلنا في الفضاء، ليس بوصفه تحدياً لا يمكن التغلب عليه، بل كشيء يمكن أن يصبح مألوفاً، وجزءاً لا يتجزأ من حياتنا. إنه مشروع مميز مع قدرة هائلة لتغيير طريقتنا في الحياة أو العيش نحو الأفضل.

وأضاف؛ "إذا شاهدتم أفلام الفضاء، والكثير من البرامج التلفزيونية، فإنها تركز دائماً على التحدي الوحيد في الفضاء. إن أفلام "ذا مارشان"، "إنترستيلر"، وكل الأفلام الأخرى رائعة، ولكن كلها تدور حول مجموعة صغيرة من الناس التي تدعمها.

إن هدفي هو البحث أكثر عن شيء تراه في مسلسل الخيال العلمي "ذا إكسبانس"، على سبيل المثال، حيث يشكل الفضاء فعلياً جزءاً من حياة الأشخاص اليومية.

وأعتقد أنه من الأفضل القول، إن العمل الذي يقوم به كل من هانا كيرنر، وجيف ماثيوز، ومؤسسة "سبيس فرونتييه فاونديشن" هو توجيهنا في طريق طويل نحو تحويل كل هذه الرؤى إلى حقيقة واقعة. في الوقت الراهن، ما تزال الخطوات صغيرة كخطوات الأطفال، ومؤتمر "نيو سبيس 2016" في سياتل هو واحد من المؤتمرات السباقة والتجريبية في المجال.

إلا أن هذه الخطوات الأولى، هي الخطوات الأكثر أهمية. انظر بنفسك ماذا تفعل مؤسسة "سبيس فرونتييه فاونديشن" من خلال هذا الرابط، وحاول أن تجد طريقة للمشاركة في هذا الاكتشاف البشري العظيم القادم - إن كنت مهتماً.

 

مواضيع مشابهه