كل ما تحتاج معرفته عن الطاقة المظلمة

عدن لنج - مرصد المستقبل

 

تشكّل الطاقة المظلمة جزءاً كبيراً من الكون، إليكم ما نعرفه عن طريقة عملها

منذ مدة طويلة، كانت هناك نظريتان رئيسيتان متعلقتان بالطريقة التي سينتهي بها كوننا؛ وهما التجمد العظيم والانسحاق العظيم. باختصار، تقول نظرية الانسحاق العظيم إن الكون سوف يتوقف عن التمدد في النهاية وينهار على نفسه، وسوف ينتج عن ذلك... انسحاق عظيم (مع عدم وجود مصطلح أفضل).

فكروا بالانفجار العظيم ولكن بشكل معاكس، هذه هي ماهية الانسحاق العظيم.

تأثير الطاقة المظلمة على الكون. حقوق الصورة: ناسا

ومن ناحية أخرى تقول نظرية التجمد العظيم إن الكون سوف يستمر في التمدد إلى الأبد إلى أن يتحول إلى مكانٍ مقفر متجمد. وتؤكد هذه النظرية أن النجوم سوف تصبح أبعد فأبعد عن بعضها ثم تحترق، وبما أنه لم يعد هناك المزيد من النجوم التي تنولد من جديد، فإن الكون سوف يصبح بارداً تماماً ومظلماً إلى الأبد.

وقد بتنا الآن نعلم أن تمدد الكون لا يتباطأ، بل إنه في الحقيقة يتزايد. إذ اكتشف إدوين هابل أنه كلما كان الجسم بعيداً زادت سرعة ابتعاده عنا.

هذا يعني، ببساطة، أن الكون يتمدد بالفعل، ويعني بدوره أيضاً أنه من الأرجح أن ينتهي الكون في حالة متجمدة وساكنة. ولكن يمكن أن يتغير كل ذلك إذا كان هناك انعكاس لتأثير الطاقة المظلمة التي تؤدي لتمدد الكون.

هل يبدو ذلك محيراً؟ فلنلق نظرةً أقرب إلى ماهية الطاقة المظلمة حتى يتضح الأمر.

كيف اكتشفنا أن الكون يتمدد

اكتشف علماء الفلك أن الكون يتمدد باستمرار عندما كانوا يدرسون ظواهر السوبر نوفا من النمط 1a. حيث تؤدي هذه الانفجارات الصغيرة دوراً رئيسياً في إدراك المسافات بين الأجرام السماوية. وبما أن جميع انفجارات السوبرنوفا من النمط 1a متشابهة إلى حدٍ كبير في سطوعها -هذا إذا كنا نعلم كيف يكون النجم الساطع حقاً- فيمكننا أن نقارن اللمعان الظاهري باللمعان الباطني، فنحصل على قيمة موثوقة للمسافة التي يبعدها أي جسم عنا. وللحصول على فكرة أفضل حول كيفية عمل تلك الطريقة فكروا بالمصابيح الأمامية للسيارة. ففي معظم الأحيان يكون لجميع المصابيح الأمامية في السيارات السطوع نفسه. وبالتالي إذا كانت درجة سطوع سيارة ما رُبع سطوع سيارة أخرى فإن السيارة الأولى تكون أبعد مرتين من الثانية.

إضافةً إلى مساعدتنا في التوصل إلى تلك القرارات الهامة حول مواضع الأجرام في الكون، أعطتنا انفجارات السوبرنوفا هذه لمحة سريعة عن واحدةٍ من أغرب الملاحظات التي رُصدت عن الكون عن طريق المصادفة. فمن أجل قياس البعد التقريبي لجرم سماوي مثل النجم وكيف يتغيّر ذلك البعد، حلل علماء الفلك طيف الضوء المنبعث منه، واستطاعوا معرفة ما إذا كان تمدد الكون يتزايد لأنه عندما تقطع موجات الضوء رحلة طويلة للغاية إلى كوكب الأرض -تبعد مليارات السنوات الضوئية- فإن الكون يستمر في التمدد. وعندما يتمدد الكون، فإنه يمدد موجات الضوء من خلال عملية تسمى "الانزياح الأحمر" (ويسمى "الأحمر" لأن أطول موجة للضوء تقع في الجزء الأحمر من الطيف الكهرطيسي). وكلما ازداد انزياح الضوء نحو الأحمر كان التمدد يسير بسرعة أكبر.

وأكّدت سنوات عديدة من الملاحظات المضنية التي أجراها العديد من علماء الفلك المختلفين أن تمدد الكون مستمر وفي تزايد، لأنه وكما ذكرنا سابقاً: كلما كان الجسم بعيداً زاد الانزياح الأحمر، وبالتالي زادت سرعة ابتعاده عنا.

سوبرنوفا من النوع a1

كيف نعرف أن الطاقة المظلمة حقيقية؟

هناك حاجة لوجود الطاقة المظلمة بشكلٍ أو بآخر من أجل التوفيق بين القياس الهندسي للفضاء والكمية الإجمالية للمادة الموجودة في الكون. ويرجع الفضل في ذلك إلى القمر الصناعي  الناجح جداً "بلانك"، وإلى ما رصده مسبار ويلكينسون لتباين الأشعة الكونية. حيث تشير ملاحظات القمر الصناعي حول إشعاع الخلفية الكونية الميكروي إلى أن الكون مسطح هندسياً أو قريب جداً من الشكل المسطح.

وكل المادة التي نعتقد أنها موجودة (بناء على البيانات والاستدلالات العلمية) تشكّل حوالي 30% فقط من إجمالي الكثافة الحرجة للكون المرصود. فإذا كان الكون مسطحاً من الناحية الهندسية، كما يشير توزيع شعاع الخلفية الكونية الميكروي، فإن الكثافة الحرجة للطاقة والمادة ينبغي أن تساوي 100%. ويُعد مسح مسبار ويلكينسون لتباين الأشعة الكونية الذي استمر سبع سنوات، ومسح القمر الصناعي بلانك الأكثر تعقيداً الذي استمر سنتين دليلاً قوياً جداً على أن الكون مسطح. وتحدد القياسات الحالية للقمر الصناعي بلانك المادة البايرونية (الذرات) عند نسبة 4%، والمادة المظلمة بنسبة 23%، وتشكل الطاقة المظلمة نسبة 73% المتبقية.

وعلاوةً على ذلك فإن مسح المجرة الذي أجرته تجربة تسمى "ويغلي زد" تدعم فرضية الطاقة المظلمة من خلال ملاحظتها للأجسام كبيرة الحجم في الكون (مثل المجرات والكوازارات والعناقيد المجرية وما إلى ذلك). وبعد رصد أكثر من 200 ألف مجرة (عن طريق النظر إلى انزياحها الأحمر وقياس الذبذبات الصوتية البايرونية)، حدد المسح بطريقة كمية عمر الكون الذي يبدأ فيه بزيادة تسارعه عند 7 مليارات سنة. وبعد مضي ذلك الوقت، بدأ الكون يتسارع.

كيف تعمل الطاقة المظلمة؟

وفقاً لمبدأ "نصل أوكام" (الذي يقترح أن الفرضية ذات العدد الأقل من الافتراضات هي الصحيحة)، فقد فضّل المجتمع العلمي اعتماد الثابت الكوني لآينشتاين. أو بعبارة أخرى، كثافة طاقة الفراغ في الفضاء الخالي، والمشبع بالقيمة السلبية للضغط نفسها الموجودة في كل مكان، والتي تتراكم في النهاية من أجل تسريع الكون وإشباعه بالمزيد من الفضاء الفارغ، ما يزيد سرعة العملية برمّتها. وهذا يشبه إلى حد ما ضغط الطاقة عندما نتحدث عن "تأثير كازيمير"، الذي يتسبب به جسيمات افتراضية في ما يسمى "الفضاء الفارغ"، والذي هو في الوقع مليء بالجسيمات الافتراضية التي تأتي إلى الوجود وتختفي منه.

مشكلة الطاقة المظلمة

يتوقع علماء الكون في ما يسمى "أسوأ تنبؤ في الفيزياء" أن قيمة الثابت الكوني ينبغي أن تكون 10 للقوة -120 وحدة بلانك. ووفقاً لمعادلة الطاقة المظلمة، فإن قيمة المُعامل w (الذي يعبّر عن الضغط والكثافة) ينبغي أن تساوي -1. لكن آخر ما توصل إليه مرصد Pan-STARRS (وهو اختصار لعبارة تلسكوب المسح البانورامي ونظام الاستجابة السريعة)، فإن هذه القيمة هي في الحقيقة -1.186. واستخلص Pan-STARRS هذه القيمة عن طريق جمع البيانات التي حصل عليها مع بيانات الرصد من القمر الصناعي بلانك (الذي قاس 150 من السوبرنوفا من النمط 1a تحديداً بين عامي 2009 و2011).

يقول أرمين رست من معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور: "إذا كانت w تحمل هذه القيمة، فإن ذلك يعني أن أبسط نموذج لتفسير الطاقة المظلمة غير صحيح". وأرمين رست هو الكاتب الرئيسي في فريق Pan-STARRS الذي قدم هذه النتائج للموقع الإلكتروني للفيزياء الفلكية arXiv في 22 أكتوبر 2013.

دلالة الأمر

ماذا يعني بالضبط التباين في قيمة الثابت الكوني بالنسبة لفهمنا للطاقة المظلمة؟ للوهلة الأولى، يمكن أن يرفض المجتمع العلمي هذه النتائج باعتبارها أخطاء تجريبية لعدم اليقين. فمن المقبول جداً أن معايرة التلسكوب، وفيزياء السوبرنوفا، والخصائص المجريّة مصادر كبيرة لعدم اليقين. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى التخلص من قيمة الثابت الكوني. فقد تصدّى العديد من علماء الفلك لهذه المسألة نافين صحة النتائج. ويقول جولان غاي من جامعة بيير وماري كوري، إن الباحثين في مرصد Pan-STARRS ربما قللوا من شأن الخطأ المنهجي عن طريق تجاهل مصدر عدم اليقين من نماذج منحنى الضوء في السوبرنوفا. وقد كانوا على اتصال بالفريق الذي يبحث في هذه المسألة بالذات، وبفرق أخرى تعمل على تمشيط العمل الدقيق الذي قام به فريق Pan-STARRS ليروا إذا كان بإمكانهم العثور على ثغرة في الدراسة.

ورغم ذلك، كانت هذه النتائج مستفيضة للغاية وقدمها فريق يتمتع بخبرة كبيرة، والعمل جارٍ بالفعل لاستبعاد حالات عدم اليقين. وليس ذلك فحسب، بل إن هذا هو المسح الثالث للسماء حتى الآن من أجل التوصل إلى نتائج تجريبية تعتمد على أن قيمة الضغط والكثافة w تساوي 1، وقد بدأت تلفت انتباه علماء الكون في كل مكان. وفي السنوات المقبلة، سوف تكون هذه النتيجة إما قاطعةً تماماً أو سوف تُستبعد وتختفي، مع الاستمرار في دعم الثابت الكوني.

وإذا كان نموذج الثابت الكوني خاطئاً، فينبغي علينا البحث عن بدائل. وهنا يكمن جمال العلم، إذ أنه لا يأبه بما نتمناه أن يكون صحيحاً، وإذا كان هناك شيء لا يتفق مع ما يرصده فإنه خاطئ، هكذا.. بوضوح وبساطة.

المصدر: Futurism