نيغاتيف الصور..أنا مهاجرة..فماذا يعني ذلك؟

نيغاتيف الصور..أنا مهاجرة... فماذا يعني ذلك؟
 
يعني أن تشعر بالغربة في كل مكان وأن تكون الغريب دائما وأن يكون المكان على غربته عنك صديقك الأزلي.
 
أن ترى كل شيء و كأنك تعرفه منذ أمد بعيد، لكنك تراه في الوقت ذاته غريبا وفريدا من نوعه.
 
أن تعشق الأمكنة والجدران والشرفات و حتى الكرسي الذي جلست عليه في مقهى مررت به صدفة، أو في مطعم، أو في بيت ضمت جدرانه جزءا من ذكرياتك، وفي نفس الوقت أنت الجَحود الذي يريد الانتقال فورا نحو المكان الذي يليه، دون أن يسأل أحد عن السبب.
 
الغربة معناها أن تحب كل شيء حد الهيام، وأن لا تريد أي شيء حتى النهاية.
 
أن يصيبك حزن خفي عند مقابلة كل إنسان أحببته، لأنك تعلم أنك راحل أو وهو كذلك.
 
المهاجر يعرف الكثير من الناس، إلاّ أنَّ أصدقاءه قلة، ما لم يكن وحيدا في عالمه.
 
نحن يا من يهتم بقضية الهجرة، هدية الزمان للتاريخ و للفلاسفة، أو ربما سعدت بنا الفلسفة والشعر والإبداع . فمعظم المبدعين مهاجرون، إن لم يكونوا دوليا فمحليا.
نحن لا نشفى إلاَّ بالترحال.. لا يهم إلى أين.. لكن المهم أننا نسير في هذا الكون و نعبر الحدود تلو الحدود والحواجز تلو الأخرى.
نحن من بقي خلفنا في أوطاننا لا يفهمنا، ومن جئنا عندهم لا يدركون كُنْهَنا. نحن لن يفهمنا إلا نحن.
 
نحن نعاني من صدود الغربي إما عن اختيار منه أو عن إرتياب، ومن تطفل الشرقي إما عن حسن نية أو كيد.
من برود هذا، ومن تطفل ذاك، نحن نعاني.
نبحث عن هدوء هذا مع دفء الآخر، لكن دون جدوى.
نحن إن لم نغير المهنة عشرات المرات، نختار التصوير هواية لكي نمنح الأشياء زوايا وقصصا كثيرة تشبهنا، وعمرا بطول ترحالنا.
يقال إننا شَبَه الغراب الذي أراد تقليد الحمام في مشيته، فلا هو أتقن مشية الحمام، ولا هو تذكر مشيته الأصلية.
لكن هذا غير دقيق، فلو صدقنا الخرافة فإن الغراب هو الذي اختار التقليد، أما نحن... نحن...
نحن أجنحة بلا عنوان، وأن نكون بلا عنوان هو في حد ذاته عنوان. ولو وجد جيل من سبقنا من يعلمه هذه الحقيقة لوفر علينا الكثير الكثير. فعلى ضبابية الجملة هي أوضح ما يقدم للمهاجر.
 
 
ذات سفر، كان والدي هادئا يمسح نظارته وهو يرى حقيبتي سفري أمام باب المنزل، فقال "أنا ابن الحياة، وأنتم كذلك. اعلمي أنك ولدت من سلالة مهاجرة يا ابنتي...فقدرنا الترحال دائما. لكن ربنا في كل مكان، ونِعْمَ بالله رفيقا".
 
لقد فهمت يا أبي لماذا ملأت بيتنا بآلات التصوير، ولماذا تحتفظ بقرابة 700 صورة من عقدي السبعينيات والثمانينيات، حيث نيغاتيف الصور كان محدود العدد.
 
لقد فهمت الحكمة من وراء ذلك، لأن عودة المهاجر لم تكن مضمونة، ولذا، كان أقل ما بوسعه أن يفعله، هو الاحتفاظ لنفسه بصورة عن نفسه.

مقالات الكاتب