مقال لـ مريم عرجون(إشارة المرور)

 لم يكن حال أبي بأفضل من حال الرئيس النيجيري، الفرق هو أنّ الأول في لندن و الأخر في بروكسل.
 
يقول أبي عن إنطبعاته الأولية عندما وطأت قدمه بلجيكا لأول مرة سنة 1965 و هو إبن الثامنة عشرة : كنت في دهشة من أمري و حائرا طوال الوقت.. و أكثر ما جعلني تائها هو شكل الناس، فلم أفتأ أتساءل في نفسي "هل اليوم هو يوم عيد عندهم..؟ كل الناس نظيفون وأنيقون!؟.. أين أنا يا إلهي.؟!!. أينكم من هذا يا أهل قريتي البسطاء، المرهقة وجوهكم والساذجة ضحكاتكم". يقول كنت أرى أحذية الناس الجديدة وأتذكر فلانا ابن القرية الذي يربط حول قدمية الحبل لشدة ذوبان نعله و أتذكر لعب الأطفال في الوادي حفاة مسرورين. كنت أرى واجهات المحلات البراقة وأتذكر تراب الجبل... و كهذا بقيت أرى و أتذكر و أرى و أقارن.
 
يقول أبي : وصلت إلى المحطة وقد دهشت من هذا العالم و هؤلاء الناس، إلا أن ذهولي أمام نظام سير السيارات كان مختلفا. انحبست أنفاسي و أنا أتابع السيارات و تناوبها الدقيق في الإنطلاق. كيف يفعلون هذا؟.. كيف يقدّرون الوقت المحدد لكل جهة..؟! هل هم بشر مثلنا..؟!
 
يقول: ولشدة ذهولي عندما رأيت إشارة المرور لأول مرة، نزلت من سيارة الأجرة و عيني مثبتة عليها لا ترمش، و نسيت فيها حقيبتي و عنوان عمي. لتبدأ حيرة أخرى بعد أن انتبهت من حولي، و أنا أتساءل مجددا أين أنتم يا أهل قريتي البسطاء ؟!..لكن ليس للمقارنة هذه المرة.
 
 
(صورة من الارشيف يقال انها لرئيس نيجيريا و رفاقه في لندن عام 1933وهم يشاهدون لأول مرة إشارة مرورية)

مقالات الكاتب