مطار عدن مقابل ميناء المخا

لم تعد ترويكا السلطة (الرئاسية المحلية الامنية) تروق لهادي كي يدير بها يوميات الشأن الجنوبي لاسيما في العاصمة .

 

فارق الاداء والفاعلية, يدفعه الى تعويض فشله الذريع من خلال احياء تحالفاته البائسة لتحقيق اي توازن ,, و في غمرة هذا السيولة , ينسل محسن من خلال انانية وسلبية هادي , مستغلا غطاء الشرعية وتشكيل "الحرس الرئاسي", كي يعيد انتشاره و يستعيد نفوذه القديم ..بعد ان لفظه الجنوب عسكريا وسياسيا ,هو وكل كل حلفاء الحرب القديمة والجديدة.

 

بالمعنى السياسي فان تموضع هادي جنوبا بأدوات محسن يعد خطيئة لعدم مراعاته هواجس وشروط الشريك الحراكي,الذي لم يبدي اي ممانعة للانضواء تحت مظلة الشرعية بل انه اعاد انعاشها في لحظات دقيقة اخرها اصطفافه سياسيا وشعبيا ضد مبادرة ولد الشيخ القاضية بترحيل الرئيس.

 

اما امنيا فان تموضع محسن جنوبا بغطاء هادي يعني العودة بالعاصمة الى مرحلة ما قبل التطهير من الارهاب,, وكي لا نسيئ الظن فان تنشيط خلايا الارهاب النائمة في المنصورة وقبلها في ابين (وان لم يكن دليلا على مدى العلاقة العضوية ما بين القاعدة والجنرال ) يعبر عن تداعيات الانانية السلطوية لجهة زعزعة الاستقرار وتشتيت جهاز الامن بقضايا وجودية تستهدف امن حاضنته الشعبية ومصالح ظهيره الاجتماعي.

 

اليوم يبدو الجو العام في عدن شبيها بما دار قبل ازيد من عام, حين مثل النزاع المستميت على ميناء عدن اكبر محفز للصراع مابين قوات الامن وجماعات القاعدة التي استفردت بإدارته بعيد التحرير وابان حكم البكري الذي بدا تصالحيا مع "ابو سالم" .. قبل ان تفصل السلطة المحلية الحراكية في حتمية استعادته الى حضن الدولة. لكن هواجس مستقبله واحقية ادارته ظلت حائلا اما تطهير الميناء , الى ان جرى تنسيق الجهد الدولاتي مابين اجهزة السلطة الناشئة والوصول الى صيغة عقلانية تنهي عهد الارهاب والبلطجة ومراكز النفوذ القدمية.وبعد اقل من اسبوع تكلل هذا التوافق بسير هادي وشلال وعيدروس على رصيف الميناء وهم متشابكي الايدي.

 

مطار عدن الدولي ظل خطا احمرا من قبل هادي..لم يرد لشلال الحضور لتأمينه رسميا ,رغم جدارته العملية والقانونية ؛ مخافة ان تتراكم مكاسب السلطة المحلية على حساب الرئاسة..

حينها لم يبدي عيدروس - وكذلك الامارات- اي امتعاض من رغبة هادي في استبدال مليشيات المقاومة باحدى كتائب الحرس الرئاسي التي يقودها "ابو قحطان". لم يتساءل عيدروس عن منطقة المعين وهو من شبوة , كما لم يعترض على خلفيته السياسية التي لم تكن حراكية, بل اكتفى بالتأكد من ولاءه الكامل لمؤسسة الرئاسة وعدم تموضعه في طرف اي قوة مناوئه للاستحقاقات الجنوبية, وعليه طويت صفحة المطار وبدأت عملية تشغيله تدريجيا بعد ان اكملت الامارات ترميمه.

 

لكن نقل العضلة الملشياوية المسلحة ,والتي خلقت وتشكلت وجهزت بهدف محاربة الانقلابين في صعدة , واعادة توجيهها صوب العاصمة المؤقتة لحسم معارك نفوذ تستهدف الاستفراد باهم وحدة اقتصادية سيادية, هو الامر الذي يصعب ابتلاعه سياسيا او امنيا لجهة تداعياته المزلزلة.

 

حيدان,مهران,ابوالزبير ,, كل هؤلاء هم قادة مليشيات مثلت جناح السلفية الموالي للاصلاح في عدن ,وهم حاليا الابن العسكري المدلل لمحسن في "الجيش الوطني" ,, تم نقل قواتهم مؤخرا من صعده الى عدن بدفع من محسن و بتواطئ من هادي كي تفرض كبديل وحيد في المطار.

 

الاول يريد تعويض اقصائه المذل من معركة المخاء , سيما وان ما تحقق فيها من انجاز يعني حرمانه التام من اهم منفذ بحري للتهريب, كان ينوي استثماره بعد تحريره بشكل رسمي ومباشر , عوضا عن الاكتفاء بشبكات المافيا التي كانت تشغل جزء منه لحسابه.اما الان وقد وصل الحراك الى الشمال فقد وجب اعادة الادوات الاصلاحية الى الجنوب..

 

اما الثاني فيسير على منطق التوازن غير الخلاق ,ويرى في الحراك لاعبا صاعدا وجب اعادة تأهيله وفق الحدود المقبولة .

 

المصيبة ان هادي يفشل مرارا في ادارة اللعبة وفق هذا المنطق ,بعكس مدائحه المتغنية بدهائه وقدرته على التفكيك.

 

فشل في ذلك مع الاصلاح الذي كان انانيا ومتماديا بعيد الثورة ما استولد بالمقابل ظاهرة الحوثي.. كما فشل فيها مع الحوثي برغم ما قدمه له من خدمات وابداه له من تطمينات,,ولعل السيناريو عينه يتكرر مع الحراك المثخن بتناقضاته . الفارق ان حاضنة الحراك وعدالة قضيته مازالت تحول دون هذه السياسة , كما ان وقوفه كمصد حقيقي امام الفوضى والارهاب في الجنوب يجعل وجوده ضروريا لضمان مصالح الرياض وابوظبي وان بدرجات متفاوته,, كما لم يزل ضرورة ملحة للمعاشيق الذي اتتب امنه بشلال وتعززت شرعيته جنوبا بعيدروس..

 

في الشكل العام لا تخرج قرارت الرئيس عن حدود اللياقة السياسية التي يحاجج بها ساسة واعلاميون , لكن الرواية الرسمية المعممة لا تعكس واقع الازمة كما انها لا تعني منطقية التحركات الاخيرة ,,

 

بعيدا عن التخريجة السياسية اللطيفة..فان قرار الاستعانة بالجهد الحربي لحسم معارك سلطوية هو مجازفة غير محمودة العواقب ؛ تخالف التزامات الرئيس الشفهية وتتجاوز السلطة الامنية و المحلية وتنقلب على قواعد اللعبة السياسية التي ارتسمت ضمنينا في الجنوب على مدار الفترة المنصرمة ..

 

بلغة اخرى فان هادي يصالح حلفاءه القدامى بالانقلاب على حلفاءه الجدد,, فلا هو يستعد ثقة الاولين ولا يحافظ على ثقة الاخرين.. هو فقط يثبت للجميع حجم خفته وانانيته,وينفي عن نفسه الى غير رجعة صفة الدهاء الذي روج لها جنوبا باعتباره مفكك تحالف 94.

 

و بصلف شديد يذكي "داهية الشرعية" التناقضات الجنوبية (من 94 الى 86) , بما يسمم المجال السياسي ويتسرب الى الحقل الاجتماعي , معيدا العاصمة الى مربع الفوضى الذي بادر الارهاب باكرا الى اغتنام مفاعيله في ابين والمنصورة..هذا اذا لم يعدها الى مربع الاقتتال الاهلي.