تعرفي على أبناء العمومة!

سؤال يطرحه كثير ممن يهتمون بموضوع اندماج المهاجرين، و هو: لماذا هناك العديد من المهاجرين لا يتقنون لغات بلدان الإقامة؟ سواء كانوا مهاجرين قدماء أو من الجيل الثاني و أحيانا الثالث. لماذا هذا الجدار اللغوي الذي أفرز لنا مجتمعات شبه غائبة إعلاميا وثقافيا.

 

شغلني السؤال.. و بعد تفكر و تدبر مني في هذا الأمر، وجدت أن الإجابة تكمن في الثلاثية التالية:

غياب حرف "النون" و حضور "السرير الملعون" و كأس ما بينهما هو عند أهله ممنون.

 

فما هي القصة يا ترى...

هنا في ألمانيا مثلا، كان معظم المهاجرين القدماء أميين من أصول قروية بالدرجة الأولى، و بالذات من البلدان الإسلامية و العربية التي تمكنت منها الأمية إلى النخاع بعد فترات الحرب و الإستعمار، كالمغرب و الجزائر و تركيا و البوسنة إلى أخر اللائحة. كانت أولوياتهم تتمثل في ضمان لقمة عيش آمنة دون أي تشويه لقيمهم الراسخة، وبدوره كان المحيط العام لا يفتأ أن يذكرهم بأن إقامتهم مؤقتة ومرهونة بالتقلبات السياسية و الاقتصادية. ليبقى بذلك موضوع اللغة محصورا في دائرة العمل والنجاح الإجتماعي في مردوده المادي.

أما الوضع عند الألمان فكان يتمثل في مقولة "المرء عدو ما يجهل". فبعد أن حل على بلدهم غرباء من بلدان شتى و لكي لا يختلط الحابل بالنابل، لخصوا هدف وجودهم في إعادة أعمار البلاد لا غير، دون أي إقحام منهم لعاداتهم و ثقافتهم في المجتمع و الهوية الألمانية.

 

بالعودة إلى المهاجرين، فهناك أمر يشتركون فيه جميعهم و بجميع جنسياتهم، ألا و هو "النزعة" نحو الأصول، سواء أتعلق الأمر بالعرب و المسلمين، أو الإيطاليين والبرتغاليين و الإسبان و الروس. الكل يقول " ما وجدت عليه أبائي، وعرف أجدادي هو الأصح"، لينتج عن ذلك مجتمعات متصلة منفصلة متوازية، هي دويلات وسط دولة. دويلة تركية، دويلة إيطالية، دويلة برتغالية و أخرى روسية و هكذا.

 

ذات مرة رأيت صديقة تركية من مواليد ألمانيا تقرأ كتابا، فسألتها بأي لغة هو؟ فأجابتني إنه بالتركية. فسألتها مستفسرة : و هل تفهمينه كله؟. فأجابت: لا، ليس كله، فهناك بعض الكلمات لا أفهمها وهي بالتركية الكلاسيكية، لكنني حتى عندما أقرأ كتابا بالألمانية فإنني لا أفهمه كله. ثم أكملت: الحقيقة يا مريم نحن لا لغة لنا. عندما أتحدث الألمانية عندي لكنة وعندما أتحدث التركية كذلك. هنا أنا أجنبية وفي تركيا كذلك.

 

 قاطعتها ممازحة: إطمئني، لست وحدك في هذا. فقالت: "لكن هذا متعب. أولا نحن لا أحد، ثانيا نحن لا نستطيع أن نصاحب الألمان ونندمج معهم بشكل حقيقي، فحديثهم إن لم يكن عن العمل فهو عن نهاية الأسبوع والجنس و الحانات و أنواع الخمور".

 

ذات مرة أيضا جاءتني إيطالية و هي متذمره تقول: لقد كرهت حياتي مع الألمان. اشتقت لروما و للكنيسة. في روما الناس مؤمنون و متدينون ليس مثل الألمان. هناك كنت دائما أذهب إلى الكنيسة و أتعبد كلما شعرت بالضعف، لتمدني العذراء بالقوة و السكينة. أما هنا..فالكنيسة دائما خالية.

 

فأما حرف نون، فذات مرة ذهبت إلى صالون تصفيف الشعر فسألتني المصففة بعد حديث في العموميات: أيمكنني أن أضمك يا جميلتي، فقد منحتني السعادة و الراحة بابتسامتك.

 

فقلت لها : هذا لطف منك.. أنت أيضا جميلة و مريحة.

فضمتني ثم قالت: هل تعرفين حرف النون؟ قلت لها نعم أعرفه فلغتي العربية؟

فقالت: إن حرف النون هو سر المحبين. فالحبيبان يقف كل واحد منهما على أحد أطرافه، و النقطة هي القلب الواحد الذي يجمعهما. و أنا عندما رأيتك شعرت في خاطري أن قلبك يشبه قلبي. ثم أكملت تسأل: هل تحبين الله مثلي يا صغيرتي؟

 

القصد فإن مشكلتنا مع اللغة و عدم الاندماج الاجتماعي والثقافي يكمنان في اختلاف قلوبنا و ميولاتنا.

 

و أما السرير الملعون، فمثلا في الصغر قد منع عنا أبي في البيت الإعلام الألماني لإباحيته في العرض، و في هذا يشترك معه الكثير من الآباء عربا و أتراكا. تطبيقا لأية " لكم دينكم و لي دين".

 

و أما الكأس الممنون، فهناك العديد من الأجانب من المسلمين لا يشاركون الألمان في حياتهم ومناسباتهم الخاصة نظرا لحضور المشروبات الكحولية في معظم المناسبات الاجتماعية والمسيحية الدينية. و هنا أيضا يتجلى الجانب الديني و الثقافي.

 

لكن علينا أن لا ننسى أبدا أن هناك أيضا مغتربون داخل أوطانهم. مثلا، لا أجد لها أي معنى عندما يتحدث المغربي أو الجزائري الفرنسية كنوع من التباهي الثقافي، أو أن يرد عليك المصري الذي تقول له السلام عليكم ب "هاي"، فمن نحن؟؟؟!

من قواعد أبي في تعامله مع الناس أنه عندما يأتيه رجل مغربي يتحدث الفرنسية، فهو إما يتجاهله عمدا لبعض الوقت، ثم يقول له مؤنبا : أنت عربي مسلم..أليس كذلك؟. فيرد عليه: نعم أيها الحاج. فيقول أبي: إذن لماذا لا تتحدث العربية منذ البداية. ما دخل الفرنسية بنا الأن ، أنت و أنا كمغربيين.

 

وإما يجيبه بدم بارد باللغة الألمانية. ليعترض الأخر فورا و هو يقول: أيها الحاج نحن لسنا في ألمانيا؟. فيرد عليه: و هل رأيتني في فرنسا؟.

 

الخلاصة من هذا الطرح، إن النجاح الإجتماعي والثقافي في زمن اختلطت فيه كل العصور و اللغات، هو هدف وأولوية فردية بالدرجة الأولى.

 

تعرفت مره على رجل مغربي مسلم أصيل ذي منصب عال هنا في المانيا، فطلبت منه أن يعطيني سر هذا النجاح. فقال لي و هو يعي ما يقول: " تعرفي على اليهود ".

مقالات الكاتب