اسرة الفقيد الميسري تستقبل واجب العزاء بعدن
استقبل محمد الميسري، رئيس قسم المشتريات بديوان وزارة العدل، اليوم واجب العزاء في وفاة والده نائب مدي...
بعد مقالتي الاخيرة " كفرت بتلك الدمى والادمية " ، حيث ضاق بنا الحال والاحوال ، وظننت في ساعة هدوء بأني ربما أخطأت فيما كفرت به وكفرت بهم ، وجدت بأن لا شيء ولا أحد استطاع أن ينقلني من مرحلة الكفر تلك الى طريق أمان وإيمان أخر، فالكثير منا لم تغادره حالة الاحباط والاكتئاب والانفراد ، بل والانتقال الى حالة من التوحد ، والحمد لله لم تلحقها حالة من التوحش الادمي ، لعل مساحة التعبير عن الرأي المتسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، هي التي منعت حدوث ذلك وربما أقل وأكثر من ذلك ، ومشكورة هي السلطة لأنها تركت لنا تلك المساحة للتعبير التي لم يرافقها أي تغيير .
وإلا كنا فقدنا عقولنا منذ زمن ليس بالقصير ، حتى تلك الدعوة التي تلقيتها للقاء برئيس الوزراء " بن دغر" مع زملائي وزميلاتي من بعض منظمات المجتمع المدني ولم ألبيها ، لأسباب كثيرة وأهمها تلك المساحة التي سيمنحني إياها للكلام وللتعبير، لم تكن ذي جدوى او منفعة ، "علما أن موعدها لم يكن عفويا ، وإنما كان اعتراض لدعوة الوقفة المصاحبة للأفطار، دعوة المطالبة بتحسين الخدمات للمواطنين والتي دعت اليها بعض منظمات المجتمع المدني "، وكلا الدعوتين لم تكن لتحدث اي تغيير عاجل أو حتى آجل " في زمن شبه طويل أو لابأس به " ، بل ربما تضييق مساحة التعبير المسموحة تلك " كما هو حاصل الان أن انتقدت وضعا سيئا قائما أو قرارا غير قانوني أو تعيين غير مناسبا فأنت خائن وأنت عفاشي وأنت حوثي ، ويترك البعض العنان لقلمه ليجردك من كل شيء / الهوية والاصل والنسب والاخلاق " ، فما بالكم حين تبدأ ظلال ملامح الدولة تظهر، فبدون ادنى شك ستكون دولة قمعية ، لأنها تريد أن توطد وجودها المفقود منذ عقود من الزمن ، حين كانت شبه دولة ، وهي هنا ستقلص مساحة التعبير، لان التغيير المطلوب حدوثة في كل شيء ، تجاه كل الازمات الموجودة والعميقة جدا في البنى التحتية " الكهرباء ، الماء ، الصرف الصحي ، الطرقات ، الصحة ، التعليم ، المحاكم ..." ، ثم البنى الفوقية " القيم والثقافة والقوانين .
جميعها تحتاج الى معالجات جذرية وليس ترقيعات كما هو حاصل الان ، الترقيعات لا ولن تحل الازمات الا مؤقتا ، ولان الاقتصاد منهار ، وليس هناك ميزانية تشغيلية مع الحكومة فهذا المؤقت أيضا ، يصبح مؤقت بشكل أضيق أكثر ، والازمة الاكثر خسارة وفداحة ولن تعالج كل الازمات الا متى ما تم معالجتها "هي الانسان " ، وبمعنى أدق تعبيرا هي أخلاق الانسان – الناس ، هذه هي التي تحتاج تغيير حقيقي ، وتغييرها مكلف جدا . نعم تغيرت أخلاقنا كثيرا نحو الاسوء ، وقلة قليلة "ممن رحم ربي" هي التي ماتزال لديها اخلاق ، فالكثير منا تعود على الفوضى وعلى الفساد بكل أنواعه وأشكاله " الرشوة فساد ، سرقة التيار الكهربائي بأكثر من سلك وإيقاف العدادات وعدم دفع فواتير الكهرباء والماء فساد ، ربط أنابيب الماء واستنزاف الابار وسد المجاري ورمي القمامة في كل مكان في الشوارع فساد البناء بجوار المعالم التاريخية واستهلاكها لأغراض أخرى غير التي شيدت لأجله فساد ، الاستيلاء على ممتلكات الاخرين والبسط عليها وسرقتها فساد والعشوائيات فساد ، هدم وتحطيم وتدمير وتعطيل وسرقة ونهب الممتلكات العامة فساد ، تقديم الرشوة والسحت وفرض الاتاوات فساد، وعدم تحسين الخدمات فساد ، وعدم ترشيد الموارد فساد ، واخطر الفساد هو ذلك الذي يتم باسم الدين " الاسلام " ،فهذا الانسان المواطن / المواطنة إذا لم يسعى جاهدا لتغيير نفسه وذاته ، ستأتي تلك الدولة ، حين يشتد عودها ستجبره بأن يتغير مرغما ، حينها ستكون مساحة التعبير ضيقة ، وهذا لا يعني بأني أدافع عن فساد السلطات الموجودة أو شبه الدولة التي كانت موجودة وماتزال جذورها وسيقانها و جذوعها و فروعها وأغصانها واوراقها موجودة ، وللأسف هي القدوة لذلك الانسان – المواطن / المواطنة ، منظومة الفساد الكبيرة هذه توسعت رقعتها بسبب الحرب وأنظمت اليها كوكبة كبيرة من الناس أيضا . "هذه ليس المرة الاولى التي اكتب فيها عن الفساد وأوجهه واذرعه المتعددة ، ناهيك عن القضايا التي رفعت للمحاكم ضد الفساد / ولم يحدث أي تغيير" ، لذلك فان التغيير المرجو حدوثة يحتاج الى خلق واخلاق ، وليس الى تعبير عن الرأي من منطلق من رأى منكرا فليغيره ......" ، لان المنكر هنا لم يتغير ، بل صار له امتدادات وإمدادات ، وإذا كان مجرد التعبير وتناول أي ظاهرة او اي خطأ يدخلنا في قفص وحبس الاتهام والتخوين والعمالة ، فإن الامل في التغيير يصبح شبه مستحيل ومفقود ، والمثير للاستغراب أن ذلك يحدث وكل مفاصل الدولة " الغائبة " في أيدي جنوبية .
والعبث والفساد الذي حدث ويحدث بعد التحرير يتم بأيدينا نحن الجنوبيين دون سوانا ، إذا نحن بحاجة الى ثورة أخلاق نستعيد بها بناء الانسان ، كي نستطيع بناء الدولة ، وليس استعادتها ، فالدولة التي نريد استعادتها كانت دولة النظام والقانون ، دولة تحكمنا فيها اخلاقنا قبل كل شيء ، وذلك ما فقدناه ، وهذا لا يستعيده التعبير ومساحته الشاسعة وحده ، بل يستعيده التغيير الذي لا يترك للفوضى القائمة في دولة منهارة ، أن تستمر في غوغائيتها ، وعبثها وفسادها ، لتصحو متحولة الى مارد يضيق علينا كل منافذ نسمات الحرية ، متعللة بأنها تريد استعادة نفسها ، لذلك علينا أن نسعى جميعا للتغيير، تغيير السلوك أولا ، ونبتعد عن التعبير بالشعارات والتنظير في منشورات يتكرر نسخها الى حد الاصابة بالملل والاحباط منها ، والتطبيل والمدح الى الحد الذي جعل من الممتدحين ملوك يظنون بأن ما يقومون به من أفعال هي عين الصواب في مملكة متهالكة ، تحتاج الى تغيير جذري في كل عمود من أعمدتها النخرة ، كما وأن شبه الدولة " المملكة " القائمة على منظومة فساد رأسي وأفقي ، هي دائما التي لا تقبل بالتغيير على مستوى البنى الفوقية " الثقافة والسلوك ، القيم والاخلاق " ، ومتى ما تسنى لها الامر بامتلاك القوة وسيطرت عليها بشكل أكبر ، فلن نجرؤ على التعبير ، لأنها ستتفرغ تماما للقمع ووأد الحريات ، فتعالوا نتغير لنبني الانسان أولا.