الصبيحة صمود وتحدي

منذ بدء الحرب التي شنها نظام الاحتلال اليمني ممثلاً بالجيش اليمني والمليشيات الحوثية وحتى هذه اللحظة التي نكتب فيها هذه الكلمات مازالت جبهات الصبيحة تشتعل بالمعارك ورجالها يخوضون حروب ضارية مع العدو على مساحة كبيرة من الشريط الحدودي مع العربية اليمنية ، إبتداءً من باب المندب غرباً مروراً بالمضاربة في شريطها الحدودي وفي عمق مديرية الوازعية المحاذية لها وفي حيفان لتامين الشريط الحدودي لطور الباحة - وجبهة كرش ، ولولا صمود وإستبسال رجال المقاومة الجنوبية في الصبيحة معززين برجال القبائل ووحدات من الجيش الوطني والتحالف لكانت الامور قد تغيرت ولأصبح خطر الحوثيين يدق أبواب العاصمة عدن .

 

ورغم هذا الدور العظيم الذي يبدية أبناء الصبيحة في قتالهم الشرس ومايقدموه من تضحيات جسام وصمود منقطع النظير إلا إننا نجد من لا يعير هذه البطولات أدنى إهتمام سواء في الجانب الاعلامي أواللوجستي ودعم المقاتلين ورعاية أسر الشهداء وعلاج الجرحى إلا ماتيسر من اعانةٍ يقدمها رجال الخير والجمعيات الوطنية الجنوبية على المستوى الشعبي لهم جزيل الشكر والإمتنان ، أما على المستوى الرسمي هناك من يعمل على تشتيت وحدة المقاومة والقبائل ويمزق تلاحمها من خلال تهميش كوادرها وعدم الايفاء بالالتزامات والاستحقاقات لمنتسبيها ، وخلق الارباكات لقادتها بدون اي مبرر لذلك .

 

ويمكن القول ان لرجال الصبيحة وتفانيهم في الذود عن تراب الوطن وتضحياتهم الكبيرة عامل حاسم في الحفاظ على الإنتصارات التي تحققت ، والتي لولاها لكانت الامور على غير ما نراها الان ، ولما تمكنت القيادة العسكرية ولا السياسية والتحالف الحفاظ على تلك المنجزات التي أصبحت واقعاً على الارض وبحماية رجال الجنوب في الصبيحة ومن يساندهم من المناطق الأخرى في صورة ناصعة البياض للتلاحم الجنوبي الفريد .

 

فقد عُمدت هذه الانتصارات بدماءٍ زكية لمئات الشهداء والجرحى والاسرى ، ويكفي فخراً إن اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع قدم حريته في سبيل كرامة وحرية شعب ، وصار رمزاً لكل الاحرار وقيمة اخلاقية تحرض على التفاني والوفاء للوطن وترابه الطاهر ، كما إن الصبيحة قدمت فلذات اكبادها قرابين للحرية والكرامة ، ونذكر منهم القائد الشهيد العميد طه علوان البوكري ، والعقيد محمد صالح توم ، والعقيد محمد هاشم ، والعقيد محمد عبده باشت البوكري ، وقائمة طويلة من الشهداء الابرار لايتسع المجال لذكرهم .

 

واننا من هذا المنبر نذكر ان اسر شهداء الصبيحة وجرحاهم يتضورون جوعاً ويتمنون لمسة كريمة حانية من المعنيين لتفقد احوالهم ، وتعيد رسم البسمة التي فارقت شفاههم منذ فقد ابائهم .. كما نذكر ان بعض الجرحى فقدوا اطرافهم واصبحوا مقعدين ، وبعض منهم لديهم إصابات سببت لهم اعاقة دائمة ومنهم على فراش الموت ينتظرون من يتحسس مصابهم ويخفف الامهم ، ويعيد لهم بصيص الامل في حياة عزيزة كريمة بعيدة عن الذل والهوان .

 

هي تلك جبهات الصبيحة نار وقذائف لم تتوقف ، وكر وفر وملاحم وبطولات ومازال دفق الكبريا يملى صدورهم عزة ونخوة وإقدام ، ولازالت قوافل الشهداء تتوالى حتى اللحظة في جبهة باب المندب وكهبوب والخزم والبراحة وعقبة المنصورة والمحاولة ، كل هذا يحدث بعيداً عن كيمرات القنوات ومراسليها ، لكنها الصبيحة مازالت صامدة وتقدم لبقية المناطق نموذجاً فريداً في التسامي عن الجراح والترفع عن الصغائر .. فحينما انشغل الجميع بملذات الدنيا بقي أفراد المقاومة ورجال القبائل في الصبيحة ثابتون في الثغور يتقاسمون رغيف الخبز وقنينة الماء ، ويلتحفون السماء .. ورمال الصحراء فراشهم الوثير ، إنهم أسود الصبيحة يتناجون في ظلام الليالي بازيز الرصاص ودوي انفجارات القذائف ويستأنسون بهدير المجنزرات .. انها معادلة لا يفقه سرها الا الصامدون في جبهات الصبيحة البواسل .


عام ونيف كان حصادة مر على الغزاة فقد خسروا مئات القتلى وهم يحاولون اجتياز حصنها المنيع .

ورغم كل محاولاتهم لكنهم خابوا وخسروا .. ومازالوا ينتحرون عند أسوارها المحصنة بالرجال الافذاذ .

فهاهي كرش عصية لن تنحني ولن تنحني أو تنكسر ولو تألبت عليهم جيوش الدنيا ومازالا تحقق انتصارات متلاحقة ومثلها المضاربة حصن الجنوب وطوقها الواقي .

وباب المندب وكهبوب وطور الباحة ، ومقابل ذلك الصمود سالت دماء زكية وفارقتنا أرواح طاهرة دفاعاً عن الدين والارض والعرض وكرامة شعب تواق للحرية والانعتاق من رجس الشياطين البغاة  ومازالت تقدم خيرة شبابها قرابين دفاعاً عن مفردةٍ لا يعرف سرها إلا الصابرون على المكاره ، إنها ( الكرامة ).

 

مقالات الكاتب