مرآة تركيا

في الزمن الماضي كان نجاح أي محاولة عسكرية لقلب النظام تتطلب السيطرة على المطار أو الميناء، وهما رمز التواصل مع العالم الخارجي، ثم مباني وكالة الانباء والاذاعة والتلفزيون، وهي وسائل توجيه الاخبار نحو الشعب والتمثيليات الدبلوماسية، ثم قطع الطرق والتحكم في الجسور، وهي للداخل بمثابة المطار والميناء، واخيرا تطويق القصر (الجمهوري أو الملكي) والثكنات والمقار الأمنية المشكوك في ولائها.
 
جرب انقلابيو تركيا هذا التكتيك المتجاوز فتبين للعالم أنهم فقط يقرأون من كتب عن الثورة والانقلاب، تنتمي لفترة ما قبل انهيار جدار برلين.
 
لقد فاتهم أن العوالم التي أنجبت تويتر وفيسبوك، جعلت السيطرة على مقري TRT وCNN TURK مجرد خطوة عبثية.
 
تركيا التي تدخلت غيرما مرة في قضايا إقليمية شتى سيمضي عليها ردح من الدهر تحاول فيه لعق جروحها الداخلية، فصفوف الجيش وأجهزة الأمن أصبحت بحكم الوقائع مشروخة، وعمليات المطاردة ستشمل كوادر مشكوكا في ولائها "للوطن".
 
لا أحد سيفشي سرا إن قال أن قطاعا وازنا في الجيش وأجهزة الأمن وحتى الولاة، لم يكونوا راضين عن سياسات رجب طيب أردوغان. وهذا الشعور ستزيد حدته حين تبدأ محاكمة الانقلابيين والمشتبه في تعاونهم أو تعاطفهم معهم.
 
 
القضاة الذين ظل عدد منهم يشكل مصدر إزعاج وأحيانا تحدٍّ للسلطات السياسية، سيتعرضون بدورهم لحركة تصفية وتنقيلات وربما محاكمة، لأن الانقلابيين أعدوا لأردوغان وأنصاره في دواليب الحكم، السجن والمحاكمة.
 
وهذا سيقود لبروز حملات تطالب بضمان استقلالية القضاء وحياده، ناهيك عن المطالبة باحترام حقوق المعتقلين وإلغاء عقوبة الاعدام.
 
أردوغان الذي يبدو أنه أصبح في الآونة الأخيرة يعتمد مقاربة براغماتية في علاقاته الخارجية (الاعتذار لروسيا عن اسقاط طائرتها الحربية، واعادة تطبيع العلاقات مع اسرائيل، وارسال خطابات متناقضة حول بقاء النظام السوري، وخفض حملته الاعلامية والكلامية ضد النظام الحاكم في مصر)، سيضطر للتعامل البراغماتي نفسه مع القضايا الداخلية، وإن بقدر أكثر ارتباطا بتطورات ميزان القوى الداخلي.
 
لقد أثبت الانقلابيون أنهم تصرفوا قبل أن تنضج الظروف الذاتية والموضوعية لنجاح حركتهم... ببساطة لأن راهن الشعب التركي (بمدنييه وعسكريين) تجاوز بنود عقيدة مصطفى كمال أتاتورك بكثير، وفهم أن الصندوق أصدق أنباء من الرشاشات، وحتى الخطب الحماسية أو التحريضية من هذا السياسي، أو ذاك العقيد.
 
تركيا ستتأمل من الآن فصاعدا حقيقة وجهها في المرآة، ولن تعود كما كانت من قبل.
 
 

مقالات الكاتب